سورة طه - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


قوله عز وجل: {طه} قيل هو قسم أقسم الله بطوله وهدايته، وقيل هو من أسماء الله فالطاء افتتاح اسمه طاهر والهاء افتتاح اسمه هاد. وقيل معناه يا رجل والمراد به النبيّ صلى الله عليه وسلم وكذلك يا إنسان، وقيل هو بالسريانية، وقيل بالقبطية، فعلى هذا يكون قد وافقت لغة العرب هذه اللغات في هذه الكلمة، وقيل هو يا إنسان بلغة عك وعك قبيله من قبائل العرب، وقيل معناه طا الأرض بقدميك يريد به في التهجد وذلك لما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة اجتهد في العبادة حتى يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه، وكان يصلي الليل كله فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمره أن يخفف على نفسه فقال تعالى: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وقيل لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا ما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك فنزلت {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} أي لتتعنى وتتعب {إلا تذكرة لمن يخشى} أي لكن أنزلناه عظة لمن يخشى وإنما خص من يخشى بالتذكرة لأنهم هم المنتفعون بها {تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى} أي من الله الذي خلق الأرض والسموات العلية الرفيعة التي لا يقدر على خلقها في عظمتها وعلوها إلا الله تعالى {الرحمن على العرش استوى} تقدم الكلام عليه في سورة الأعراف مستوفى {له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما} يعني الهواء {وما تحت الثرى} أي إنه مالك لجميع ما في الأربعة الأقسام، والثرى هو التراب الندي وقيل معناه ما وراء الثرى من شيء. وقال ابن عباس: إن الأرضين على ظهور النون والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش، والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها وهي الصخرة التي ذكرها الله تعالى في قصة لقمان، والصخرة على قرن ثور والثور على الثرى ولا يعلم ما تحت ذلك الثرى إلا الله تعالى، وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله البحار بحراً واحداً سالت في جوف ذلك الثور فإذا وقعت في جوفه يبست.


قوله تعالى: {وإن تجهر بالقول} أي تعلن به {فإنه يعلم السر وأخفى} قال ابن عباس: السر ما تسر في نفسك وأخفى من السر ما يلقيه الله في قلبك من بعد ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك لأنك لا تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غداً والله يعلم ما أسررت به اليوم وما تسر به غداً، وعنه أن السر ما أسر به ابن آدم في نفسه وأخفى ما هو فاعله قبل أن يعلمه، وقيل السر ما أسره الرجل إلى غيره وأخفى من ذلك ما أسره في نفسه، وقيل السر هو العمل الذي يسر من الناس وأخفى هو الوسوسة، وقيل السر أن يعلم الله تعالى أسرار العباد وأخفى هو سره من عباده فلا يعلم أحد سره، وقيل: مقصود الآية زجر المكلف عن القبائح ظاهرة كانت أو باطنة والترغيب في الطاعات ظاهرة كانت أو باطنة، فعلى هذا الوجه ينبغي أن يحمل السر والإخفاء على ما فيه ثواب أو عقاب، فالسر هو الذي يسره المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها والإخفاء هو الذي يبلغ حد العزيمة ثم وحد نفسه فقال تعالى: {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} تأنيث الأحسن والذي فضلت به أسماؤه في الحسن دون سائر الأسماء، دلالتها على معنى التقديس والتحميد والتعظيم والربوبية، والأفعال التي هي النهاية في الحسن.
قوله عز وجل: {وهل أتاك حديث موسى} أي وقد أتاك لما قدم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قفاه بقصة موسى عليه الصلاة والسلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد، حتى ينال عند الله الفوز والمقام المحمود {إذ رأى ناراً} وذلك أن موسى استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر ليزور والدته وأخاه فأذن له، فخرج بأهله وماله وكانت أيام الشتاء فأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام، وامرأته حامل في شهرها لايدري أليلاً تضع أم نهاراً، فسار في البرية غير عارف بطرقها فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن، وذلك في ليلة مظلمة مثلجة شاتية شديدة البرد لما أراد الله من كرامته فأخذ امرأته الطلق فأخذ زنده فجعل يقدح فلا يورى فأبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور {فقال لأهله امكثوا} أي أقيموا {إني أنست ناراً} أي أبصرت ناراً {لعلي أتيكم منها بقبس} أي شعلة من نار في طرف عود {أو أجد على النار هدى} أي أجد عند النار من يدلني على الطريق {فلما أتاها} أي أتى النار ورأى شجرة خضراء من أعلاها إلى أسفلها أطافت بها ناراً بيضاء تتقد كأضوء ما يكون، فلا ضوء النار يغير خضرة الشجرة ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار، قيل كانت الشجرة ثمرة خضراء وقيل كانت من العوسج، وقيل كانت من العليق وقيل كانت شجرة من العناب، روي ذلك عن ابن عباس وقال أهل التفسير لم يكن الذي رآه موسى ناراً بل كان نوراً ذكر بلفظ النار لأن موسى عليه الصلاة والسلام حسبه ناراً.
قال ابن عباس: هو من نور الرب سبحانه وتعالى، وقيل هي النار بعينها وهي إحدى حجب الرب تبارك وتعالى، يدل عليه ما روي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حجابه النار لو كشفها لأهلكت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» أخرجه مسلم قيل إن موسى أخذ شيئاً من الحشيش اليابس وقصد الشجرة فكان كلما دنا نأت عنه، وإذا نأى دنت منه، فوقف متحيراً وسمع تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة فعند ذلك {نودي يا موسى إني أنا ربك} قال وهب: نودي من الشجرة فقيل يا موسى فأجاب سريعاً وما يدري من دعاه فقال إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ فقال أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك منك فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله تعالى فإيقن به، وقيل إنه سمعه بكل أجزائه حتى إن كل جارحة منه كانت أذناً وقوله: {فاخلع نعليك} كان السبب فيه ما روي عن ابن مسعود مرفوعاً في قوله فاخلع نعليك قال كانتا من جلد حمار ميت.
ويروى غير مدبوغ وإنما أمر بخلعها صيانة للوادي المقدس، وقيل أمر بخلعهما ليباشر بقدميه تراب الأرض المقدسة لتناله بركتها فإنها قدست مرتين فخلعها موسى فألقاهما من وراء الوادي {إنك بالواد المقدس} أي المطهر {طوى} اسم للوادي الذي حصل فيه وقيل طوى واد مستدير عميق مثل المطوي في استدارته {وأنا اخترتك} اصفيتك برسالاتي وبكلامي {فاستمع لما يوحى} فيه نهاية الهيبة والجلال له فكأنه قال له لقد جاءك أمر عظيم فتأهب له {إنني إنا الله لا إله إلا أنا فاعبد ني} ولا تعبد غيري {وأقم الصلاة لذكري} أي لتذكرني فيها وقيل لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري، وقيل لإخلاص ذكري وطلب وجهي ولا ترائي فيها ولا تقصد بها غرضاً آخر، وقيل معناه إذا تركت صلاة ثم ذكرتها فأقمها،.
(ق) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» وتلا قتادة {وأقم الصلاة لذكري} وفي رواية: «إذا رقد أحدكم في الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول: {وأقم الصلاة لذكري}».


{إن الساعة آتية أكاد أخفيها} قال أكثر المفسرين: معناه أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق وكيف أظهرها لكم، ذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في الكتمان للشيء يقولون كتمت سرك في نفسي أي أخفيته غاية الإخفاء، والله تعالى لا يخفى عليه شيء. والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت وكذلك المعنى في إخفاء وقت الموت على الإنسان لأنه إذا عرف وقت موته وانقضاء أجله اشتغل بالمعاصي إلى أن يقرب من ذلك الوقت فيتوب ويصلح العمل فيتخلص من عقاب المعاصي بتعريف وقت الموت، وأنه إذا لم يعرف وقت موته لا يزال على قدم الخوف والوجل فيترك المعاصي أو يتوب منها في كل وقت مخافة معاجلة الأجل.
قوله تعالى: {لتجزى كل نفس بما تسعى} أي بما تعمل من خير وشر {فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها} أي فلا يصرفك عن الإيمان بالساعة ومجيئها من لا يؤمن بها {واتبع هواه} أي مراده وخالف أمر الله {فتردى} أي فتهلك. قوله عز وجل: {وما تلك بيمينك يا موسى} سؤال تقرير والحكمة فيه تنبيه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنها معجزة عظيمة {قال هي عصاي} قيل كان لها شعبتان وفي أسفلها سنان ولها محجن واسمها نبعة {أتوكأ عليها} أي أعتمد عليها إذا مشيت وإذا عييت وعند الوثبة {وأهش بها على غنمي} أي أضرب بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم {ولي فيها مآرب أخرى} أي حاجة ومنافع أخرى، وأراد بالمآرب ما كان يستعمل فيه العصا في السفر فكان يحمل بها الزاد ويشد بها الحبل ويستقي بها الماء من البئر ويقتل بها الحيات ويحارب بها السباع ويستظل بها إذا قعد وروي عن ابن عباس أن موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه وتحدثه، وكان يضرب بها الأرض فيخرج له ما يأكل يومه، ويركزها فيخرج الماء فإذا رفعها ذهب الماء وكان إذا اشتهى ثمرة ركزها فتصير غصن تلك الشجرة وتورق وتثمر، وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كدلو حتى يستقي وكانت تضيء بالليل كالسراج وإذا ظهر له عدو كانت تحارب وتناضل عنه {قال} الله تعالى {ألقها يا موسى} أي انبذها واطرحها.
قال وهب: ظن موسى أنه يقول ارفضها {فألقاها} أي فطرحها على وجه الرفض ثم حانت منه نظرة {فإذا هي حية} صفراء من أعظم ما يكون من الحيات {تسعى} أي تمشي بسرعة على بطنها وقال في موضع آخر كأنها جان، وهي الحية الصغيرة الجسم الخفيفة وقال في موضع آخر ثعبان وهو أكبر ما يكون من الحيات ووجه الجمع أن الحية اسم جامع للكبير والصغير والذكر والأنثى فالجان عبارة عن ابتداء حالها فإنها كانت حية على قدر العصا، ثم كانت تتورم وتنتفخ حتى صارت ثعباناً وهو انتهاء حالها، وقيل إنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان، قال محمد بن إسحاق: نظر موسى فإذا العصا حية من أعظم ما يكون من الحيات، وصارت شعبتاها شدقين لها، والمحجن عنقاً وعرفاً يهتز كالنيازك، وعيناها تتقدان كالنار تمر بالصخرة العظيمة مثل الخفة من الإبل، فتلقمها وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها ويسمع لأنيابها صريفاً عظيماً، فلما عاين ذلك موسى ولّى مدبراً وهرب، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي موسى أقبل وارجع حيث كنت، فرجع وهو شديد الخوف {قال خذها} يعني بيمينك {ولا تخف} قيل كان خوفه لما عرف ما لقي آدم من الحية، وقيل لما قال له ربه لا تخف بلغ من طمأنينة نفسه وذهاب الخوف عنه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها {سنعيدها سيرتها الأولى} أي إلى هيئتها فنردها عصاً كما كانت، وقيل كان على موسى مدرعة صوف قد خللها بعود فلما قال الله تعالى خذها لف طرف المدرعة على يده فأمره الله تعالى أن يكشف يده فكشفها.
وذكر بعضهم أنه لما لف كم المدرعة على يده قال له ملك أرأيت لو أمر الله بما تحاذره أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً؟ قال: لا ولكني ضعيف من ضعف خلقت. قال فكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فإذا هي عصا كما كانت ويده في شعبتيها في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ.
قال المفسرون: أراد الله تعالى أن يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا يقدر عليها مخلوق ولئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون قوله تعالى: {واضمم يدك إلى جناحك} يعني إلى إبطك وقيل تحت عضدك {تخرج بيضاء} يعني نيرة مشرقة {من غير سوء} يعني من غير عيب والسوء ها هنا بمعنى البرص قال ابن عباس: كان ليده نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر {آية أخرى} أي دلالة أخر على صدقك سوى العصا {لنريك من آياتنا الكبرى} قال ابن عباس: كانت يد موسى أكبر آياته.

1 | 2 | 3 | 4 | 5